18 يونيو 2009

إيران بين المبادئ البراغماتية وهوية الدولة

لم تكن نتائج الانتخابات الرئاسية الإيرانية لعام 2009 مفاجأة للعالم فحسب، بل فاجأت الإيرانيين أيضاً.
ظل "التيار الإصلاحي" في إيران لسنوات يقدم الكثير من التضحيات الشاقة في محاولة الوصول إلى السلطة وكسب النفوذ
السياسية، وفيما يبدو أن عام 2009 سيكون العام الذي سيحصل فيه هذا التيار على المكافآت الاجتماعية والسياسية عن سنوات
عمله الشاق والمحفوف بالمخاطر.
في ظل حالة الاستياء الشديد تجاه سياسات الرئيس "محمود أحمدي نجاد" الداخلية والخارجية، فقد كان من المتوقع أن يخرج "مير
حسين موسوي" منتصراً. ولم يقتصر الأمر على تذبذب أداء "أحمدي نجاد" وشعبيته فحسب، بل كذلك عمل "التيار الإصلاحي"
على تقديم حلول موثوقة وعملية من شأنها تحسين مستقبل إيران على كل من المستوى السياسي والاجتماعي والاقتصادي.
كما أنه من المؤكد أن ثمار انتخابات يونيو تجاوزت مفهوم انتصار شخص بعينه أو حزب واحد.
يمثل هذا الأمر موجة أخرى من الموجات المستمرة التي يتعرض لها معسكر "التيار الإصلاحي" من الخسائر السياسية والخزي
لأكثر من عقد من الزمن، وبينما يعاني الإصلاحيون من هذه الخسارة المستمرة، فعلى الصعيد الآخر نجد "التيار التقليدي المحافظ"
ما زال محتفظًا بقوته كما عوهد منه دومًا.
ولكن من منظور أوسع نطاقاً، فإن الخسائر المستمرة للإصلاحيين لا تعتبر هي الوحيدة فيما بعد الثورة؛ إذ يعود الصراع الثنائي
بين القوى الإصلاحية والمحافظة إلى ما قبل أحداث "طهران 1979".
إن الخلاف بين التيار التقدمي والمحافظ قد فرض البيئة السياسية لإيران في العصر الحديث، وربما لا ترتبط المسألة بمن يمكنه
توفير المتطلبات الأساسية للشعب، بقدر ما تتعلق بمن سيشكل الهوية العامة للدولة.
على الرغم من أنه قد يبدو وكأنه تاريخ قديم، إلا أنه ليس من العبث مراجعة الديناميات السياسية للأسرة القاجارية الإيرانية، لأن
هذه الفترة تعكس بشكل غريب الوضع الراهن في إيران الحديثة. فنجد أنه خلال القرن التاسع عشر، كان الصراع محتدماً بين
معسكرات القوى التقدمية التحديثية والقوى المحافظة بنفس حدة الصراع الذي نشهده اليوم في إيران.
في عهد الملك "ناصر الدين شاه قاجار"، وبالرغم من قيام رئيس الوزراء "أمير كبير" بتحفيز الإصلاحات والشروع في تنفيذ
العديد من برامج التحديث، إلا أنه لم يكن الجميع راضيًا عن أفعاله. ونظرًا لأن هذه الخطوات شكلت تهديد على نفوذ الملك وهوية
القصر الملكي، فقد تم نفي "كبير" وقُتل في نهاية المطاف.
يمثل الموت في هذا الصراع القديم إشارة واضحة ومثيرة للاهتمام بشأن الاضطراب السياسي الملحوظ في إيران في الوقت الراهن
(على الرغم من أنه ربما مع القليل من الدراما الكلاسيكية): حيث تعمل القوتان بجد للسيطرة على الخطاب الاجتماعي والسياسي
للدولة، إذ تتمثل الغاية من هذه الخطابات في تحديد الهوية الفريدة للدولة.
وفي يومنا هذا، يخاطر أحد الطرفين بإضعاف هوية إيران الراسخة بينما لن يتخلى الطرف الآخر عن مبادئ ثورة 1979.
ما دام أن الخلاف السياسي يهيمن عليه تحديد القوى السياسية المحافظة لهوية الدولة، فقد يجد الإصلاحيون صعوبة أكبر من
المتوقع في كسب النفوذ السياسي وقد يضطروا للجوء إلى تغيير الطريقة التي يتبعوها كي يتمكنوا من الفوز بالانتخابات المقبلة.

جوردان تايمز، 18 يونيو 2009

إيران Leave a comment