12 مارس 2009

العلاقات المغربية الإيرانية: إذا هطلت الأمطار فستغرق الأودية

ليس هناك من مفاجئة تذكر بالنسبة للمتابع للعلاقات الإيرانية العربية بعد ـتأسيس الجمهورية الإسلامية فيما
يتعلق بقطع العلاقات الدبلوماسية بين المغرب وإيران، فالأمر الملفت للانتباه هو استمرار العلاقات بين كثير من
الدول العربية وإيران وسط حقول الألغام غير المتناهية وأجواء عدم الثقة بين الطرفين. تعود العلاقة بين المملكة
المغربية وإيران إلى أوائل عقد التسعينات، حيث بادر البلدان في إعادة العلاقات الدبلوماسية بينهما على مستوى
السفراء، ولم يكن حال المغرب مختلفا عن حال بقية البلدان العربية فيما يتعلق بالموقف من إيران، فالحرب بين
إيران والعراق، والحديث عن تصدير الثورة بنمطها الإيراني إلى الأنظمة الرافضة للتغيير في المنطقة، وتبني
إيران موقفا من الدول التي ارتبطت بعلاقات قوية مع النظام الملكي في إيران، كلها عوامل ساندت قطيعة سياسية
لحوالي عقد بعد تأسيس الجمهورية الإسلامية. زاد من القلق المغربي وجود كيان لجبهة البوليساريو على
الأراضي الإيرانية من خلال سماح السلطات الإيرانية لهم بفتح مكتب لهم في طهران.

في العام 1984 تبادل البلدان الحملات الإعلامية بعد مؤتمر عقد في الدار البيضاء، وقد بدا للسلطات المغربية أن
المؤتمر ما هو إلا مؤتمر تأييد للثورة الإسلامية في إيران، وقد تلاه موجة اعتقالات لشخصيات شيعية مغربية،
وقد تلا ذلك أيضا بزوغ عدد من علماء السنة أيدوا السلطات واعتبروا الإمام الخميني فاسد المعتقد. وقد تبع ذلك
أزمة دبلوماسية وقطيعة استمرت حتى أوائل التسعينات، حيث عقد المؤتمر الإسلامي التاسع في السنغال، وحضره
الرئيس الإيراني آنذاك هاشمي رافسنجاني، وقد تبع لقاءاته مع الكثير من الزعماء العرب إعادة العلاقات
الدبلوماسية بين تلك الدول وإيران. الأمر الذي فهم منه وجود انفراجة في علاقات إيران مع الدول العربية، على
أن ذلك في الحقيقة لم يكن يعني الا فتح السفارات بالحد الأدنى من التمثيل، وحد أدنى من التنسيق والعمل
المشترك. لقد كان واضحا كما هو اليوم مستوى فقدان الثقة والريبة التي تسيطر على العلاقات العربية الإيرانية.

يتمثل الوجود الشيعي في المغرب كما وصفته إحدى الناشطات المغربيات في مدونتها على الانترنت عام 2007
في “مجموعة من المثقفين الذين لا يزيدوا عن 50 شخص" وهو رقم ربما لا يعكس الرقم الحقيقي، لكنه قد

يعطي انطباع عن( قلة عددهم)، وقد تلقوا تعليمهم في لبنان والعراق، وهم متأثرون بكتابات المفكر الفرنسي
هنري كوربن وبكتابات الإمام الخميني فيما يتعلق بالإسلام السياسي، وهم مستقرون في الرباط ومراكش وفاس.
ليس للشيعة في المغرب مرجعية دينية، لكن يتبعون مرجعيات دينية في العراق وفي إيران”. هذه الوصف للشيعة
ربما يحتاج للكثير من النقاش لكن من المؤكد أن هناك ثقافة متعلقة بحب آل البيت في المغرب بسبب تاريخ طويل
يعود للأدارسة والأغالبة، كما أن هناك ثقافة صوفية خرجت من رحم الثقافة الشيعية. الشيء الملفت للانتباه هو
بروز ظاهرة المستبصرون، وهم مجموعة من الذين غيروا مذهبهم من السنة إلى الشيعة، ومن هؤلاء بعض
الشخصيات في المغرب، وقد تزايدت هذه الظاهرة بعد الثورة الإسلامية في المغرب، كل هذه العوامل إضافة إلى
الخطاب السياسي القادم من طهران والمتعلق بالمد الثوري لا سيما في عقد الثمانينات زاد من حدة التوتر لدى
المغرب ودول عربية أخرى. ومن هنا جاء الحديث عن قلق الدول من التدخل في شئونها الداخلية.

الموقف المغربي من إيران لم يتغير خاصة من صدى المواقف القادم من المشرق حول الدور الإيراني في العراق
والعلاقة مع حزب الله، فالمغرب لا يبدو إلا متوافقا مع الدول العربية الناقدة للتدخل الإيراني في العراق، كما انه لم
يكن راضيا عن حرب عام 2006 التي حدثت بعد أسر جنديين إسرائيليين. وتبع ذلك موقف المملكة المغربية من
التصريحات بشأن سيادة البحرين. فالموقف المغربي الرافض للتصريحات تأثر بعواصم عربية على رأسها القاهرة
والرياض، لكن طهران لم تستدع سفيرا ولم تطالب بتوضيح، كما أن تأخير تقديم التوضيحات للحكومة المغربية
على خلفية كل هذه المواقف كان الشعرة التي قصمت ظهر البعير.

نموذج العلاقة المغربية الإيرانية وما آلت إليه هو تجسيد للعلاقات العربية الإيرانية، وهو نموذج قابل للتكرار
بسبب كرة الثلج التي تعج بالخلافات منذ قيام الجمهورية الإسلامية، تلك الكرة التي ما لبثت أن كبرت يوما بعد
يوم، لا سيما مع اتساع رقعة الخلاف بين مواقف الطرفين.

العلاقات الإيرانية العربية Leave a comment